“بأي طريقة” مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا ! – مع العدالة

“بأي طريقة” مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا !

“بأي طريقة” مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا !

Uncategorized

ملخص*

منذ بداية المظاهرات المعارضة للحكومة في مارس/آذار 2011 قتلت قوات الأمن السورية أكثر من 4000 متظاهر، وألحقت الإصابات بالكثيرين، واعتقلت تعسفاً عشرات الآلاف في شتى أنحاء البلاد، وعذبت الكثيرين منهم أثناء احتجازهم. هذه الانتهاكات، التي وثقتها هيومن رايتس ووتش بشكل مستفيض استنادا إلى أقوال المئات من الضحايا والشهود، التي تم ارتكابها ضمن هجمة واسعة النطاق وممنهجة استهدفت السكان المدنيين، ومن ثم فهي تشكل جرائم ضد الإنسانية.

يركز هذا التقرير على مسؤولية الأفراد ومسؤولية القيادة للقادة العسكريين السوريين ومسؤولي المخابرات، فيما يتعلق بهذه الجرائم. يستند التقرير إلى مقابلات مع 63 منشقاً من الجيش وأجهزة المخابرات المختلفة. هؤلاء المنشقون أطلعوا هيومن رايتس ووتش على معلومات تفصيلية عن مشاركة وحداتهم في الانتهاكات، وعلى الأوامر التي تلقوها من القادة على مختلف المستويات القيادية. قدم المنشقون معلومات عن الانتهاكات التي وقعت في سبع محافظات سورية: دمشق ودرعا وحمص وإدلب وطرطوس ودير الزور وحماة.

قابلت هيومن رايتس ووتش كل من المنشقين على انفراد في مقابلات مطولة. الانتهاكات الموصوفة في هذا التقرير تم وصفها على انفراد من قبل عدد كبير من المنشقين وبكثير من التفصيل يكفي لإقناع الباحث بأن من أجريت معهم المقابلات الفردية لديهم معرفة شخصية بالحوادث والوقائع المعنية. هناك العديد من الأقوال والروايات تم استبعادها من التقرير؛ لأن من أجريت معهم المقابلات لم يوفروا تفاصيل كافية.

إن أقوال الجنود والضباط المنشقين من الجيش السوري وأجهزة الأمن السوري لا تدع أدنى مجال للشك في أن الانتهاكات تُرتكب بناء على سياسة تتبناها الدولة، وأن الأوامر تصل إلى الضباط والجنود مباشرة من أعلى المستويات من القيادة العسكرية والمدنية السورية، أو بتصريح منها أو بتغاضي من هذه القيادة عن ما يحدث من انتهاكات.

يظهر من نتائج هيومن رايتس ووتش في التقرير أن القادة العسكريين والمسؤولين في أجهزة المخابرات منحوا أوامر مباشرة وأوامر مستمرة باستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين (هناك 20 واقعة على الأقل من هذا النوع موثقة بشكل مفصل في التقرير) وكذلك أوامر بالاعتقالات غير القانونية والضرب والتعذيب للمحتجزين. فضلاً عن ذلك، فإن القادة العسكريين رفيعي المناصب وكبار المسؤولين، ومنهم الرئيس بشار الأسد ورؤساء أجهزة المخابرات، يتحملون مسؤولية القيادة عن الانتهاكات التي ارتكبها مرؤوسوهم، وذلك بحسب درجة معرفتهم أو بما يُفترض بهم أن يعرفوه عن الانتهاكات ثم أخفقوا في التدخل لمنعها.

لقد تكرر زعم السلطات السورية بأن العنف في سوريا ترتكبه عصابات إرهابية مسلحة، بتحريض وتمويل من الخارج. وثقت هيومن رايتس ووتش عدة وقائع قام خلالها المتظاهرون ومجموعات من أبناء الأحياء المسلحين باللجوء إلى العنف. ومنذ سبتمبر/أيلول، زادت كثيراً الهجمات المسلحة على قوات الأمن، مع إعلان الجيش السوري الحر مسؤوليته عن العديد من هذه الهجمات، وهو مجموعة معارضة مسلحة أعلنت عن نفسها، وفيها بعض كبار الضباط، وتعمل من تركيا. وزعمت السلطات السورية أن أكثر من 1100 من عناصر الأمن السوري قد قُتلوا منذ بدء المظاهرات المعارضة للحكومة في أواسط مارس/آذار.

إلا أنه ورغم زيادة عدد الهجمات التي يشنها المنشقون والجماعات المسلحة في الأحياء السكنية، فإن أقوال الشهود والمعلومات المرتبطة بأقوالهم تشير إلى أن أغلب المظاهرات التي تمكنت هيومن رايتس ووتش من توثيقها منذ بدء الانتفاضة في مارس/آذار كانت في الأغلب الأعم سلمية. المعلومات الواردة في هذا التقرير من قِبل المنشقين، الذين انتشروا لدعم المتظاهرين، تؤكد ذلك التقييم وتلقي الضوء على إلى أي مدى تشويه السلطات لصورة المتظاهرين ووصفهم بأنهم “عصابات مسلحة” و”إرهابيين”. لكن هناك خطر – ولقد رأيناه متجسداً بقوة في أماكن مثل مدينة حمص – أن تقوم قطاعات أكبر وأكبر من الحركة الاحتجاجية بالتسلح رداً على هجمات قوات الأمن والميليشيات الموالية للحكومة، المعروفة باسم الشبيحة.

ونظراً للأدلة الخاصة بوقوع جرائم ضد الإنسانية في سوريا، فإن من واقع أجواء الإفلات من العقاب التي تتمتع بها أجهزة الأمن والميليشيات الموالية للحكومة – ونظراً لجسامة الكثير من انتهاكات هذه الأطراف – ترى هيومن رايتس ووتش أن على مجلس الأمن أن يحيل الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وذلك لأن الجرائم ضد الإنسانية تعتبر جرائم ذات اختصاص قضائي عالمي بموجب القانون الدولي العرفي (أي أن المحاكم الوطنية في أي بلد في العالم يمكنها التحقيق والملاحقة القضائية في تلك الجرائم وإن كانت مُرتكبة بالخارج من قبل أجانب ضد أجانب). جميع دول العالم مسؤولة عن إحقاق العدالة ومحاسبة من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية.

وقائع قتل المتظاهرين والمارة

جميع المنشقين الـ 63 الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن قادتهم أعطوهم أوامر مستمرة بوقف المظاهرات “بكل الوسائل الضرورية” أثناء الجلسات الدورية مع القيادات وقبل انتشار القوات. وقال المنشقون أنهم فهموا بشكل عام أن “بكل الوسائل الضرورية” تصريح لهم باستخدام القوة المميتة، لا سيما أن القوات زودت بذخيرة حية وليس بأساليب السيطرة على الحشود الأخرى. من الأمثلة على هذه الأوامر:

  • “عبد الله”، جندي في الكتيبة 409، الفوج 154، الفرقة 4، قال إن اثنين من كبار القادة، العميد جودت إبراهيم صافي واللواء محمد علي درغام، أمرا القوات بإطلاق النار على المتظاهرين، عندما تم نشر وحدته في مناطق متاخمة لدمشق وداخلها.
  • “منصور”، الذي خدم في المخابرات الجوية في درعا، قال إن القائد المسؤول عن المخابرات الجوية في درعا، العقيد قصي ميهوب، أعطى وحدته أوامر بـ “وقف المتظاهرين بأي شكل”، وهو ما يشمل استخدام القوة المميتة.

نحو نصف المنشقين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن القادة في وحداتهم أو الضباط الآخرين منحوهم أوامر مباشرة بفتح النار على المتظاهرين والمارة، وفي بعض الحالات، شاركوا في القتل بأنفسهم. وطبقاً للمنشقين، فإن المتظاهرين لم يكونوا مسلحين ولم يشكلوا خطرا جديا على قوات الأمن في وقت إطلاق النار عليهم. من الأمثلة على هذه الأوامر:

  • “هاني”، الذي خدم في فرع العمليات الخاصة في المخابرات الجوية، قال إن العقيد سهيل حسن أعطى أوامر بإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين في 15 أبريل/نيسان أثناء مظاهرة في حي المعضمية في دمشق.
  • “أمجد”، الذي خدم في درعا في الفوج 35 قوات خاصة، قال إنه تلقى أوامر شفهية مباشرة من القائد في وحدته، العميد رمضان رمضان، بفتح النار على المتظاهرين في 25 أبريل/نيسان.

ولقد جمعت هيومن رايتس ووتش معلومات كثيرة ومستفيضة عن مشاركة وحدات عسكرية خاصة وأجهزة المخابرات في هجمات على المتظاهرين في شتى المدن وفي العمليات العسكرية الموسعة التي أسفرت عن أعمال قتل واعتقالات جماعية وتعذيب وغيرها من الانتهاكات. هذه المعلومات مذكورة في ملحق بالتقرير، وتشتمل على بيانات تفصيلية عن هيكل الوحدات ومواقع انتشارها، والانتهاكات التي يُزعم تورطها فيها، وبعض أسماء القادة والمسؤولين عن الوحدات في حال توفرها.

ولقد سبق وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق ونشر وقائع قتل موسعة للمتظاهرين في شتى أنحاء سوريا، بناء على أقوال مئات المتظاهرين وضحايا الانتهاكات والشهود. الأدلة التي تم جمعها من المنشقين أثناء إعداد هذا التقرير تؤكد بعض الوقائع التي سبق توثيقها. العديد من المنشقين الذين شاركوا في عملية 25 أبريل/نيسان العسكرية في درعا على سبيل المثال، أكدوا وقائع قتل وثقتها هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في يونيو/حزيران 2011 بعنوان “لم نر مثل هذا الرعب من قبل”.

يصعب التحقق من عدد القتلى الدقيق نظراً لما تفرضه الحكومة من قيود على التغطية الإعلامية المستقلة داخل سوريا، لكن مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قدّر عدد القتلى في 1 ديسمبر/كانون الأول بأربعة آلاف قتيل، بينما جمع مركز توثيق الانتهاكات – وهو مجموعة معنية بالرصد والمراقبة تعمل بالتنسيق مع لجان التنسيق المحلية وهي شبكة من النشطاء السوريين – جمع قائمة من 3934 مدنياً قُتلوا حتى 3 ديسمبر/كانون الأول 2011. ولقد ذكرت الحكومة السورية أن أكثر من 1100 من قوات الأمن السورية قد قُتلوا.

الاعتقالات التعسفية والتعذيب والإعدام

طبقاً للمعلومات التي جمعتها هيومن رايتس ووتش، فإن قوات الأمن السورية نفذت حملة موسعة من الاعتقالات التعسفية والتعذيب في شتى أنحاء سوريا منذ بدء المظاهرات المعارضة للحكومة في مارس/آذار 2011. المعلومات التي قدمها المنشقون، والكثير منهم شاركوا بأنفسهم في الاعتقالات والمعاملة السيئة للمحتجزين، تؤكد هذه النتائج.

وصف المنشقون الاعتقالات واسعة النطاق والتعسفية أثناء المظاهرات ولدى نقاط التفتيش، وكذلك عمليات “التمشيط” للأحياء السكنية في شتى أنحاء البلاد. يبدو أن أغلب الاعتقالات أجرتها أجهزة المخابرات، بينما وفر الجيش الدعم أثناء الاعتقال وأثناء نقل المعتقلين.

من المستحيل معرفة عدد المعتقلين منذ بدء المظاهرات. حتى 3 ديسمبر/كانون الأول 2011 كان مركز توثيق الانتهاكات قد وثق نحو 15500 اعتقال. يُرجح أن العدد الفعلي أكبر بكثير.

المعلومات التي تم الحصول عليها من المنشقين عن عمليات التمشيط التي شاركوا فيها تدعم صحة المزاعم حول حملات الاعتقال التعسفي الموسعة. هناك أمثلة متعددة مذكورة في التقرير يظهر منها أن أجهزة الأمن لجأت بشكل متكرر إلى اعتقال المئات – إن لم يكن الآلاف، وبينهم أطفال، وذلك إثر المظاهرات وبعد أن سيطر الأمن على مختلف البلدات. على سبيل المثال:

  • “سعيد”، الذي كان ضمن قوات اللواء 134 التابعة للفرقة 18 في تلبيسة، قال أنه بعد تحرك الجيش إلى البلدة في أول مايو/أيار، بدأت أجهزة الأمن والجيش في إجراء مداهمات يومية، فاعتقلوا “أي شخص فوق 14 سنة – أحياناً يعتلقون 20 شخصاً، وأحياناً يصل عدد المعتقلين إلى 100”. وقال سعيد أيضاً إن مداهمات الاعتقال التي صرحت بها المخابرات والجيش، صاحبتها عمليات “نهب فادح” وحرق للمحال التجارية.
  • “غسان”، مقدم كان في دوما مع اللواء 106 حرس جمهوري، قال إن لواءه، بشكل وسطي، كان يعتقل 50 شخصاً، أي ذكر بين 15 و50 عاماً، وذلك في نقطة التفتيش التي كان بها، بعد كل جمعة من المظاهرات.

طبقاً للمنشقين، كانت الاعتقالات مصحوبة دائماً بالضرب والمعاملة السيئة، التي أمر بها القادة وصرحوا بها وتغاضوا عنها وقت وقوعها. أولئك الذين كانوا يعملون في مراكز الاحتجاز أو يمكنهم دخولها قالوا أيضاً لـ هيومن رايتس ووتش أنهم شهدوا على تعذيب المعتقلين وشاركوا فيه.

وقال المنشقون من الجيش وأجهزة المخابرات الذين تورطوا في عمليات الاعتقال أنهم ضربوا المعتقلين أثناء اعتقالهم ونقلهم إلى مراكز الاحتجاز، وذلك دون أي استثناء تقريباً. وذكروا أنهم تلقوا أوامر من قادتهم في هذا الشأن.

بينما قال أغلب المنشقين الذين تمت مقابلتهم إنهم تورطوا فقط في نقل المحتجزين إلى مختلف مراكز الاحتجاز، فإن قلة منهم – بالأساس من خدموا في أجهزة المخابرات – قالوا إنهم شهدوا بأنفسهم على الوضع داخل مراكز الاحتجاز. تؤكد أقوالهم مسألة انتشار التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التي سبق ووثقتها هيومن رايتس ووتش، وقدموا أيضاً تفاصيل إضافية عن ضباط المخابرات المسؤولين عن المحتجزين.

من السمات المقلقة لحملة القمع المكثفة على المتظاهرين في سوريا تزايد عدد الوفيات رهن الاحتجاز منذ بداية يوليو/تموز. أفاد نشطاء سوريون بوقوع أكثر من 197 وفاة من هذا النوع حتى 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وهناك ثلاثة منشقين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أطلعونا على معلومات عن عمليات إعدام بمعزل عن القضاء بحق المحتجزين، أو وفاة المحتجزين بسبب التعذيب في منطقتين: البوكمال ودوما. وهناك مقدم من الحرس الجمهوري قال إنه شهد على إعدام محتجز في نقطة تفتيش في دوما في 7 أغسطس/آب 2011 أو نحوه. وهناك منشق كان قد أُرسل إلى مدينة البوكمال، الواقعة شرقاً على الحدود مع العراق، وقال إنه رأى 17 جثماناً لنشطاء معارضين للحكومة، بينهم بعض النشطاء الذين سلموا أنفسهم للمخابرات قبل أيام.

الحرمان من المساعدة الطبية

كذلك قدم المنشقون معلومات عن حرمان المتظاهرين المصابين من المساعدة الطبية، واستخدام سيارات الإسعاف في اعتقال المصابين، وإساءة معاملة المصابين في المشافي التي تسيطر عليها أجهزة المخابرات والجيش، وهو نمط مقلق سبق ووثقته هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى.

هناك أمثلة عديدة ذكرها المنشقون توحي بقوة بأن هذه الانتهاكات وقعت بناء على أوامر أو بتصريح من القادة أو بتواطؤ منهم، ولم تُرتكب بمبادرة من عناصر من القوات المسلحة أو المخابرات. طبقاً للمنشقين، فإن قوات الأمن نقلت بعض المتظاهرين المصابين مباشرة إلى مراكز الاحتجاز حيث أسيئت معاملتهم.

من ثم، فإن المتظاهرين المصابين الذين نُقلوا إلى مشافي الجيش أو تلك التي يسيطر عليها الجيش، تعرضوا بدورهم للمعاملة السيئة والضرب على يد عناصر المخابرات والعاملين بالمشافي. أولئك الذين لحقت بهم إصابات جسيمة يصعب معها نقلهم مباشرة للاحتجاز تم وضعهم في مراكز احتجاز مؤقتة داخل المشافي، قبل نقلهم إلى مراكز احتجاز أخرى.

مسؤولية القيادة المترتبة على الضباط والمسؤولين الحكوميين رفيعي المناصب

نظراً لانتشار أعمال القتل والجرائم الأخرى المرتكبة في سوريا على نطاق واسع، ونظراً لكثرة شهادات المنشقين عن الأوامر المعطاة لهم بإطلاق النار على المتظاهرين والإساءة إليهم، ومن واقع كثرة التغطيات الإعلامية والمنظمات الدولية لهذه الانتهاكات، فمن المعقول استنتاج أن القيادة العسكرية والمدنية كانت تعرف أو لابد أنها عرفت بهذه الانتهاكات. كما يظهر بوضوح أن القيادات العسكرية والمدنية السورية أخفقت ايضاً في اتخاذ أي إجراء واضح للتحقيق في هذه الانتهاكات ووقفها. بموجب القانون الدولي، فهم مسؤولون عن انتهاكات ارتكبها مرؤوسوهم.

وفيما يخص الرئيس بشار الأسد، الذي يتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة السورية، والمقربين منه، وبينهم رؤساء أجهزة المخابرات وقيادات الجيش، فقد جمعت هيومن رايتس ووتش معلومات إضافية تشير بقوة إلى معرفتهم المباشرة وتورطهم في الحملة العنيفة على المتظاهرين.

ترى هيومن رايتس ووتش أنه بالإضافة إلى ضباط الجيش والمخابرات ذوي الصلة بوقائع معينة مذكورة في هذا التقرير، فإن هؤلاء القادة – وبينهم ضباط رفيعي المناصب ورؤساء أجهزة مخابرات – لابد أن يتم التحقيق معهم على أساس مسؤولية القيادة عن الانتهاكات التي ارتكبتها الوحدات التابعة لهم. بموجب نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، هناك مسؤولية جنائية على من ارتكب الجرائم بنفسه وعلى المسؤولين الكبار – بينهم من أعطوا الأوامر ومن يشغلون مناصب تخولهم معرفة تلك الانتهاكات وإخفاقهم في منعها أو الإبلاغ عنها أو ملاحقة مرتكبيها.

تبعات مخالفة الأوامر غير القانونية

كانت تبعات عصيان الأوامر أو الطعن في مزاعم الحكومة بشأن المظاهرات جسيمة للغاية. قال ثمانية منشقين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شهدوا ضباط وعملاء مخابرات يقتلون عناصر من الجيش رفضوا تنفيذ الأوامر. قال ثلاثة منشقون لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات احتجزتهم لأنهم رفضوا تنفيذ الأوامر أو طعنوا في مزاعم الحكومة. وهناك اثنان على الأقل قالا إن قوات الأمن قامت بتعذيبهما وضربهما. وهناك منشقون آخرون قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن قوات الأمن احتجزتهم وعذبتهم، جراء المشاركة في المظاهرات أثناء عطلاتهم أو قبل بدءهم في الخدمة العسكرية.

المنشقون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن قوات الأمن احتجزتهم لمدد قصيرة نسبياً في مراكز الاحتجاز بقواعدهم أو في مراكز احتجاز قريبة. طبقاً لشهود عيان، فهناك منشقون آخرون نُقلوا إلى سجن تدمر العسكري سيئ السمعة، في محافظة حمص.

قال حارس في سجن تدمر لـ هيومن رايتس ووتش إنه مع انشقاقه في أغسطس/آب كان هناك نحو 2500 سجين في تدمر. وبينما كان السجناء في البداية من العسكريين، فقد بدأ السجن بعد ذلك في استقبال أعداد متزايدة من المتظاهرين والمنشقين بعد اندلاع المظاهرات في مارس/آذار. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن هناك ضربت وعذبت كل السجناء، لكنها تعاملت مع المنشقين تحديداً معاملة شديدة القسوة.

وقال منشق إن قوات الأمن اعتقلت أحد أقاربه لإجباره على العودة إلى وحدته.

جميع المنشقين تقريباً الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم مقتنعون بأن الضباط وعناصر المخابرات كانوا ليقتلونهم لو رفضوا تنفيذ الأوامر. وقالوا إن خلال عمليات مواجهة المظاهرات العادية، يقوم جنود مجندون من الجيش والمخابرات بالاصطفاف في الأمام، بينما يقف الضباط وعناصر المخابرات في الخلف، يعطون الأوامر ويتأكدون من تنفيذ الجنود لها. وفي مرات عديدة، قام الضباط وعناصر المخابرات صراحة بتهديد الجنود بالقتل إذا خالفوا الأوامر.

وقال أغلب المنشقين أنهم حاولوا مخالفة الأوامر بالتصويب على أقدام المتظاهرين أو بإطلاق النار في الهواء، لكن في بعض الحالات شعروا بأن عليهم إطلاق النار على المتظاهرين أو ارتكاب انتهاكات أخرى لاعتقادهم بأنهم قد يُقتلون إن لم يفعلوا ذلك. وهناك قلة رفعوا السلاح في وجه عملاء المخابرات والضباط الذين أمروهم بالقتل، وقال الكثيرون أنهم انشقوا عندما أدركوا أن قادتهم يأمرونهم بإطلاق النار على المتظاهرين العُزل وليس على “عصابات مسلحة” كما قيل لهم قبل العمليات.

التوصيات

رد الحكومة السورية على المزاعم الموثوقة لانتهاكات حقوق الإنسان كان غير ملائماً ويهيئ لأجواء الإفلات من العقاب، بما في ذلك القتل غير القانوني والتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي. هيومن رايتس ووتش ليست على علم بأية معلومات عامة عن تحقيقات أو ملاحقات قضائية على صلة بالانتهاكات المذكورة في هذا التقرير.

بينما أدانت دول كثيرة استخدام سوريا للعنف وتبعت بعض الدول الإدانة بإجراءات هدفها دفع الحكومة السورية لتغيير المسار، فإن المجتمع الدولي بشكل عام كان بطيئاً في اتخاذ إجراءات جماعية.

وعلى ضوء النتائج، بأنه قد وقعت جرائم ضد الإنسانية في سوريا، ونظراً لتفشي مناخ الإفلات من العقاب لقوات الأمن والميليشيات الموالية للحكومة، وعلى ضوء الطبيعة الجسيمة للكثير من هذه الانتهاكات المُرتكبة، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو مجلس الأمن لأن يحيل الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية – وهي الجهة الأكثر قدرة على التحقيق والملاحقة القضائية لمن يتحملون النصيب الأكبر من المسؤولية على الجرائم المرتكبة والأقدر على توفير المحاسبة لصالح الشعب السوري. كما يتعين على مجلس الأمن أن يطالب الدول بوقف جميع الصفقات والمساعدات العسكرية للحكومة السورية وأن تتبنى الدول عقوبات على الأفراد المتورطين بناء على ادعاءات موثوقة في الخروقات القائمة الجسيمة وواسعة النطاق والممنهجة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. كما تدعو هيومن رايتس ووتش جميع الدول – بما يتناسب مع قوانينها الوطنية – إلى إحقاق العدالة بموجب مبدأ عالمية الاختصاص القضائي على من يرتكب جرائم ضد الإنسانية.

* المصدر هنا https://www.hrw.org/ar/report/2011/12/15/256277
ويحتوي على النص الكامل للتقرير.